Pressroom

تقرير لمعهد باسل فليحان المالي والإقتصادي يوصي باعتماد مقاربة الكفايات في الإدارة العامة اللبنانية

عزّ الدين: هذا التوجّه سيتحول كرة ثلج تكبر وتتسارع


كيوان: المطلوب بناء إدارة عامة محترفة على مسافة من مختلف الفرقاء ومحصّنة ضد تقلّبات السياسة


اعتبر تقرير أصدره معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي– وزارة المال إن اعتماد الإدارة العامة اللبنانية مقاربة الكفايات التي تقوم على تقييم الموظفين وفق معايير الكفايات بدلاً من الأقدمية أو الشهادات، يساهم في جعل هذه الإدارة “أكثر ملاءمةً مع تطوّر العصر، وأكثر مرونة، وأكثر قدرةً على تحسين أدائها”، موصياً بـ”وضع إطار مرجعي للكفايات في الوظيفة العامة”. وأيّد مسؤولون معنيون شاركوا في مناظرة نظمها المعهد في جامعة القديس يوسف هذا التوجه، إذ توقّع ممثل وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عناية عز الدين، أن يتحول “كرة ثلج تكبر وتتسارع”، فيما دعا رئيس مجلس إدارة “المعهد الوطني للإدارة” البروفسور جورج لبكي إلى “تغيير قواعد التوظيف، واستحداث وزارة للوظيفة العامة، وإستبدال نظام الترقية الآليّة بنظام الاستحقاق، وجعل الإدارة قائمة على الآداء”، وطالبت رئيسة معهد باسل فليحان لمياء المبيّض بساط بـ”إعادة النظر في عمل الدولة”، و”إحداث تغيير جذري في آليات استقطاب الكفايات وإدارة هذه الطاقات بناء على مقاربة الكفايات”. وشددت مديرة مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القدّيس يوسف الدكتورة فادية كيوان على ضرورة “بناء إدارة عامة محترفة، على مسافة من مختلف الفرقاء السياسيين (…) ومحصّنة ضد تقلّبات السياسة”.


وتولى معهد باسل فليحان، بالتعاون مع المرصد ومع “المعهد الوطني للإدارة” تنظيم المناظرة التي حملت عنوان “الإدارة المرتكزة على مقاربة الكفايات وتأثيرها في مستقبل الوظيفة العامة في لبنان: نتائج استبيان الكوادر العليا في الإدارة العامة”.



فاديا كيوان


وألقت مديرة المرصد الدكتورة فاديا كيوان كلمة ترحيبية أكدت فيها أن “جامعة القديس يوسف تهتم كثيراً بالنقاشات والأبحاث التي تتناول مسألة تعزيز دولة القانون في لبنان والعالم العربي”. وأوضحت أن مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القدّيس يوسف أنشىء عام 2016 لهذا الغرض بالذات، ولإتاحة مشاركة الجامعة، أساتذة وباحثين وطلاباً، في هذا الجهد، مشيرة إلى أن المرصد يداب على تنظيم الأنشطة الفكرية والبحثية في هذا المجال.
وشددت على ضرورة “بناء إدارة عامة محترفة، على مسافة من مختلف الفرقاء السياسيين (…) ومحصّنة ضد تقلّبات السياسة”، مؤكدة أن “هذا الهدف الاستراتيجي يندرج تماماً ضمن الأولويّات العلميّة” لجامعة القديس يوسف. ورأت أنه “مدخل إلى تعزيز المواطنة وإلى تأسيس العلاقات في المجتمع على أسس مستقرّة ومستدامة”.
وأشادت بـ”العمل البحثي المهم” الذي أجراه معهد باسل فليحان في شأن مقاربة الكفايات، وبمساهمة “المعهد الوطني للإدارة” في فرنسا في جهود المؤسّسات اللبنانيّة المعنيّة بهذا الموضوع وتحديداً المعهد الوطني للإدارة في لبنان ومكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية ومعهد باسل فليحان، ودعت هذه الجهات “إلى “استكمال المسيرة معاً من أجل دفع مشروع دولة القانون في لبنان قدماً”.



بساط


وأوردت بساط بعض “المؤشرات المقلقة” المتعلقة بالإدارة العامة اللبنانية، ملاحِظةً أنها “انعكست على مناخ الأعمال والاستثمار وعلى صورة لبنان في العالم، وتستدعي بالضرورة تغييراً في مقاربة الإدارة العامة”.
وشددت على أن “التدريب وحده لا يكفِي، بل ثمة حاجة لإعادة النظر في عمل الدولة”. واعتبرت أن “الاستثمار في تعزيز القدرات لا يترجم تنافسيّة وفاعلية إن لم يرتبط بإطار أكثر حداثة لإدارة الطاقات البشريّة”. وشددت على أن “لا بدّ من إحداث تغيير جذري في آليات استقطاب الكفايات وإدارة هذه الطاقات بناء على مقاربة الكفايات”، مشيرة إلى أن “هذا ما دلّت عليه التجربة العالميّة في القطاعَين العام والخاص على السواء وفي الكثير من البلدان ذات السياقات الثقافية والتنظيمية المختلفة”.
وأوضحت أن “أطر الكفايات هي نهج تغييري حقيقي لأنه يتيح الانتقال من نظام مرتكز على مبدأ التوظيف لملء منصب شاغر فقط إلى نظام مرتكز على الأداء. وبناءً عليه، تستند دوافع التوظيف إلى الأداء المُرتقب ومعايير لها صلة بالمعرفة والدراية وحسن التصرّف والسلوكيّات والقدرات الفعليّة وليس فقط الشهادات العلميّة أو نتائج الاختبارات”.
وشرحت أن “هذه المقاربة تمكنّ معاهد التدريب من اعتماد سياسات ومنهجيات أكثر تلاؤماً مع مخرجات التدريب، وبالتالي تطوير برامح تدريبية عالية الجودة وعميقة الأثر”. وتابعت: “نجاح هذه المقاربة عالمياً دفعنا إلى التعمّق في دراسة إمكان تطبيقها في لبنان وإلى إصدار التقرير الذي يتضمّن مقترحاً أوّلياً” في هذا الشأن.
وشددت على ضرورة “تحديث جهاز الدولة اليوم وفي زمن الأزمات وقبل استفحالها”، واعتبرت أن “أطر الكفايات مدخل للتحديث وهي اليوم مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، من قبلنا نحن أهل الإدارة ومن قبل المواطن”.



جورج لبكي


وعرض لبكي لمفهوم مقاربة الكفايات وما يميّزه عن سواه من المقاربات. وأقترح لبكي خريطة طريق للبنان تشمل “العبور من إدارة تعتريها الشبهات (…) إلى إدارة قوية لامركزيّة مبنيّة على الجدارة والإنتاجيّة”، و”إنشاء قسم للموارد البشريّة في كل إدارة عامة، ووضع هيكليّة تنظيمية جديدة للإدارة العامة، وتغيير قواعد التوظيف، واستحداث وزارة للوظيفة العامة، وتعزيز التدريب وجعله شرطاً إلزاميّاً لأية ترقية، وإستبدال نظام الترقية الآليّة بنظام الاستحقاق، وجعل الإدارة قائمة على الآداء، والدمج عمودياً بين الأهداف الاستراتيجيّة للتنظيم وبين الأدوات الخاصة بإدارة شؤون الموظّفين”.
وأضاف: “لم يعد أمامنا خيار سوى تطبيق هذه التوجهات، فالدين العام بلغ 80 مليار دولار”، لكنه رأى أن ذلك يحتاج إلى “قرار سياسي وتصميم وتغيير الثقافة”، مذكّراً بأن “الحالة اللبنانية” في هذا المجال، تتميز بالـ”التوازنات الهشّة والحسّاسة”. وشدد على أهمية “الدور المحوري” لمؤسّسات التدريب في هذا المجال.



ممثل الوزيرة عز الدين


أما سامر حنقير، ممثل وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عناية عزّ الدين، فتناول “الجهود التطويرية الطموحة، الهادفة إلى تعميم ثقافة الكفاية في الإدارة اللبنانيّة”. وأضاف: “لم يكن إطلاق هذه الجهود قبل ثلاث سنوات سهلاً (…) ولكن كانت لدينا الشجاعة للبدء بمشروع الموارد البشريّة المبنيّ على إدارة الكفاية. وقد استطعنا بالشراكة مع مجلس الخدمة المدنيّة وضع نظام تقييم آداء، تشكّل إدارة الكفاية عموده الفقري”. وأضاف: “ليس لدينا بعد إطار كامل للكفايات على غرار ما تمّ تطويره في المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة وفرنسا، ولكن على الأقل تمّ وضع الأسس لذلك”.وأشار إلى “تحديد عشر كفايات يجري التقييم على اساسها، من بينها خمسة يتم اختيارها سنويّاُ”. وشدد على أن “الكفايات ليست بذاتها هدفاً، بل هي أداة لتغيير طريقة العمل والإدارة والأهم طريقة التصرف”.
وقال: “لقد تم زرع بذور تغيير الثقافة (…) وتم كسر جليد مقاومة اختبار الممارسات العصريّة وطريقة التفكير الحديثة”. وختم قائلاً: “لا أدّعي أنّ الحواجز سقطت بشكل كامل. لكنّ عوامل التغيير التي تمّ تحديدها والبناء عليها عبر مبادرة مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية للموارد البشريّة في مجلس الخدمة المدنيّة وفي بعض الوزارات النموذجية، يُتوقّع أن تستمر بالزخم نفسه، وأن تتحول كرة ثلج تكبر وتتسارع”.



جلستان


وفي الجلسة الأولى بعنوان “لماذا مقاربة الكفايات هي مقاربة مستقبليّة”، كانت مداخلات لمدير قسم العلاقات الدولية في المعهد الوطني للإدارة في فرنسا بيار تينار، والمستشارة والمديرة السابقة للمعهد العالي للدراسات المصرفيّة في جامعة القديس يوسف الدكتورة فدوى منصور ورئيس مجلس إدارة “HR Works” مديرها العام شارل صليبا.
وعُقدت جلسة ثانية تناولت التجارب على هذا الصعيد وترأستها رئيسة قسم اللغة الفرنسية في المركز التربوي للبحوث والإنماء بدرية الرفاعي وحاضر فيها المراقب الأوّل في مجلس الخدمة المدنيّة زياد قبلان، ومسؤولة التطوير والتنسيق في “المكتب التقني للبلديّات اللبنانيّة” هدى عضيمي، ومديرة قسم المعلومات في معهد باسل فليحان جنان الدويهي.



التقرير


ويقدّم التقرير قراءةً لعملية تقييم برنامج “اللّقاءات العلميّة للكوادر العليا في الإدارة العامة اللّبنانية” والذي أقيمت ستّ دورات منه بين عامي 2010 و2015 شارك فيها 116 من الكوادر العُليا ينتمون إلى43 إدارة ومؤسّسة عامة، من مديرين عامين، وقضاة، ودبلوماسيين، ومسؤولين كبار في الهيئات والمجالس الرقابية والقوى الأمنية والعسكرية.

وهَدَفَ الاستبيان الذي أُرسل إلى المشاركين، إلى تقييم الكفايات التي اكتسبوها بفضل الندوات، وتحديد الكفايات الإدارية والمالية الرئيسة التي يرون أنها ضرورية لهم للتمكّن من الاضطلاع بمهماتهم على أفضل وجه.
وحدّد المشاركون الذين أجابوا عن الاستبيان الكفايات الرئيسة الضرورية لتأدية الكوادر العليا المستقبلية دورها على الشكل الآتي:تحديد أهداف العمل وأولوياته من أجل تنظيم العمل وتوزيع المهمّات بصورة أفضل، والتحلّي برؤية استراتيجية، وإعداد موازنة متناسقة مع خطّة العمل، وتطوير الكفايات داخل الإدارة، والتحلّي بالمرونة، واحترام أخلاقيات العمل، وكسب ثقة الموظفين، وتحفيز فريق العمل، والتعرف على حاجات الإدارة الحقيقية.
وإذ أوضح التقرير أن مقاربة الكفايات تقوم على “اعتماد معايير الكفايات بدلاً من الأقدمية أو حتى الشهادات”، أشار إلى أن “الإدارة المرتكزة على هذه المقاربة أثبتت فاعليتها في كلّ من القطاعَين العام والخاص، في كثير من البلدان في العالم”. وشدد على أن “اعتماد مقاربة الكفايات لا يتناقض مع مبدأ المسيرة الوظيفية بالنسبة إلى التدريب المستمر، بل، على عكس ذلك، قد يكون أسلوباً مجدياً لتفعيلها. ولكن، لا بدّ أوّلاً من تحديد الكفايات المطلوب توافرها في مختلف الوظائف من أجل تصميم برنامج تدريب مستمرّ استناداً إليها”.
ورأى أن “إدارة الموارد البشرية المرتكزة على مقاربة الكفايات أن تكون محرّكاً باتجاه التغيير في الوظيفة العامة اللّبنانية. كما يمكنها أن تساهم في جعل الإدارة العامة أكثر ملاءمةً مع تطوّر العصر، وأكثر مرونة، وأن تصبح بالتالي أكثر قدرةً على تحسين أدائها وتلبية تطلّعات المواطنين المتزايدة”.
واقترح التقرير عدداً من التوصيات الآيلة إلى تطوير قدرات الكوادر العليا في الوظيفة العامة في لبنان، منها وضع إطار للكفايات في الوظيفة العامة، وتحديث إدارة الموارد البشرية كونها حاجة لا غنى عنها، واعتماد سياسة تدريب تتلاءم مع احتياجات الكوادر العليا، وتطوير برامج تدريبية تستند إلى مرجع الكفايات المطلوبة وتتلاءم معها، واعتماد منهجيات تدريب تتلاءَم مع متطلبات الكوادر العليا، وتحديث القوانين وممارسات الحوكمة وعلى الأخصّ في مجال إدارة المال العام.

وتجدر الإشارة إلى أن التقرير متوافر بالعربية والفرنسية على الموقع الإلكتروني لمعهد باسل فليحان institutdesfinances.gov.lb.