Pressroom

لبنان يطلق اليوم "موازنة المواطِنة والمواطن" الثانية خطوة متقدمة لتحسين موقعه على سلّم التصنيف

سلوى بعلبكي

يطلق وزير المال علي حسن خليل اليوم برعاية رئيس الحكومة سعد الحريري “موازنة المواطِنة والمواطن لعام 2019″، وهي الثانية التي يعدّها معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي التابع لوزارة المال بالتعـاون مـع مديريّة الموازنـة ومراقبة النفقات في مديرية الماليّة العامة، في محاولة لمساعدة القارئ غير المتخصص على فهم المعلومات الواردة في قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة.

خضع قانون الموازنة لعام 2019 لمناقشات طويلة، ورافقته تحركات في الشارع وتجاذبات عدّة… لكنّه صدر أخيرا بألف صفحة أو أكثر. ويقف المواطن أمام هذه الوثيقة المعقدة المليئة بالجداول والأرقام والرسوم البيانية متسائلا كيف ستتأثر حياته؟ ذلك ان فَهْمَ الموازنة مهمة شاقّة وليست بالبسيطة عند غير المُتخصّصين. موازَنَة أُقِرَّت عَلى وَقع أزمات متفاقِمَة وأرقام مقلقة. ثلث المواطنين يعانون من الفقر ويعيشون بنحو 8،5 دولارات في اليوم، وثلث آخَر عاطل من العمل، نحو 37% منهم شباب. أكثر من نصف المواطنين لا يتمتعون بأي نوع من الضمان الصحي. جميع هؤلاء معنيّون بالموازَنَة لأنها تطاول حياتهم اليوميَّة.

ماذا تتضمن “موازنة المواطِنة والمواطن”؟ رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لمياء المبيض البساط، تشرح لـ”النهار” ماهية موازنة المواطنة والمواطن، وماذا تتضمن، فتشير الى أنها “الوثيقة الوحيدة التي تطورها الحكومات حصريا للجمهور حول مواضيع الماليَّة العامة. عادة ما تكون صيغة مبسطة عن مشاريع قوانين أو عن قوانين الموازنات العامة، توضع بهدف تسهيل وصول المواطنات والمواطنين إلى المعلومات باعتبارها حقّاً دستوريا. وتوضع موازَنَة المواطِنَة والمواطِن أيضاً بهدف تسهيل التفاعل مع مقترحات مشروع قانون الموازنة على مستوى الإعداد، والفرضيات التي يُبنى عليها، والتوجهات الماليّة والاقتصاديّة التي يعتمدها، والمعطيات الرقميّة وتوزيعها، والبنود الإصلاحيّة والتعديلات الضريبية والمشاريع المُزمَع تنفيذها، وغيرها من المواضيع التي تهمّ المواطنين وتؤثّر في حياتهم. كلّ ذلك في خطوة جادة على طريق تعزيز ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها”.

ماذا عن لبنان؟ تقول المبيض: “في لبنان، كما في العالم كلّه، يهدف نشر موازنة المواطنة والمواطن، إلى إحقاق الشفافيّة فعلاً لا قولاً، والسعي الجاد الى تعزيز صدقية الموازنة واستعادة ثقة المواطنين والمواطنات. مع العلم أن القوانين التي ترعى إعداد الموازنة وإقرارها وتنفيذها والرقابة عليها، وتلك التي تتعلق بالإفصاح، باتت نصوصاً متقادمة ومتفرّقة ويعود تاريخها إلى عامي 1959 و1963، وهي تاليا لا تتيح سوى فرص محدودة لإشراك المواطنين. لقد التزمت الحكومة اللبنانيّة في مؤتمر “سيدر” إصلاحات كبرى تطاول كل أوجه إدارة المال العام، بما في ذلك الموازنة العامّة والشراء العام (الصفقات العامة) وقانون التدريب المالي الإلزامي. وهذه كلها أساس لبناء الشفافية والمهنيّة وحسن إدارة المال العام”.

تقع “موازنة المواطنة والمواطن للعام 2019” في 58 صفحة تتضمن معلومات عن الوضع المالي للدولة، بينها التوقّعات بشأن النمو والتضخم وأرقام الدين العام، كما التقديرات حول ما إذا كانت الموازنة ستحقق فائضا أو عجزا. تقدم “موازنة المواطن 2019” أيضا، وبلغة مختصرة وميسرة، الفرضيات المعتمدة عند إعداد الموازنة، وأبرز التوجهات الماليّة والاقتصاديّة للسنة المقبلة. كما تقدم شرحاً للمصادر التي تأتي منها الأموال العامة من ضرائب ورسوم وغيرها.

أما بالنسبة الى أوجه إنفاق الأموال العامة، فتؤكد المبيض أن “لها حصَّة وازِنَة في الموازنة حيث تظهر من ثلاث زوايا مختلفة: الأموال التي تنفق على كل كيان إداري كالوزارات والمؤسسات العامّة وغيرها (تصنيف إداري)، الإنفاق بحسب القطاعات (تصنيف اقتصادي) كالإنفاق على الرواتب والأجور وملحقاتها وخدمة الدين ونفقات التشغيل والبنية التحتية وسواها. وأخيراً الإنفاق بحسب الغاية (التصنيف الوظيفي) كالتعليم والصحة والبيئة والحماية الاجتماعية وما إلى ذلك”.

وتتضمن موازنة المواطنة والمواطن فصلاً خاصاً بالدين العام وآخر يبيّن أبرز الإجراءات التي تهمّ المواطن، والمتعلقة بالضرائب والرسوم والاعفاءات والغرامات وسقوف الرواتب والأجور وملحقاتها، وكذلك الإنفاق على المشاريع الرئيسية المخطط لها. كلّها مبيّنة برسوم ووسائط بصريّة وشروح تبسّط فهم هذا الكمّ الكبير من المعلومات المعقّدة. ويسبق كلّ ذلك شرح ميسر للموازنة في 6 أسئلة وأجوبة مبسطة ومبينة بواسطة الجداول والرسوم.

هل تؤثر “موازَنَة المواطِنَة والمواطِن” على تصنيف لبنان؟ يأتي نشر هذا الكتيب للسنة الثانية على التوالي ليترجم إرادة وزارة المال في تعزيز الشفافية المالية، وفي الإسهام، في المدى المتوسط، إلى جانب الجهود الأخرى التي تبذلها، في تحسين موقع لبنان على سلّم مؤشرات التصنيف العالمي لشفافية الموازنة (مؤشر مسح الموازنة المفتوحة Open Budget Survey)، وفق المبيض التي تشير الى أن لبنان سجل 3/100 على هذا المؤشر مقارنة بمتوسط عالمي قدره 42/100، وهو الأداء الأسوأ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (الأردن سجّل 63/100 والمغرب 45/100) وذلك بسبب توقف إصدار الموازنات العامة لأعوام خلت.

وتعطي المبيض مثالا عن مصر حيث “سمحت موازنة المواطن التي نشرت للمرة الأولى عام 2010، ومن ثم بشكل متواصل حتى اليوم، بتحقيق نقلة نوعية في أدائها على “مؤشر الميزانية المفتوحة” من درجة 13/100 عام 2012 إلى 41 عام 2018. كذلك حققت مصر تقدمًا مماثلًا في مؤشر المشاركة في الموازنة”.

وإذ تعتبر أن “إنتاج هذه الوثيقة المعقدة بمضمون ولغة وشكل يقرّب بين الدولة ومواطنيها، كان تحديا كبيرا لفريقنا الذي علّم نفسه بنفسه من خلال البحث والمقارنة وتحليل التجارب حول العالم والتعلم من أخطائها ونجاحاتها”، تختم بالاشارة الى التشجيع من مركـز المسـاعدة التقنـية للشـرق الأوسـط التابع لصندوق النقد الدولي METAC والـشركة الدولية للموازنة IBP، و”استمعنا إلى نصائحهما، لكن الجهد كان وطنيا بامتياز وخصوصا حيال التمرس باستخدام المرئيات والرسوم التوضيحية وغيرها من الوسائط التي كان التعامل معها تحديّا حقيقيّا”.

أما التحدي الأكبر فيتمثل برأي المبيض بقدرة المجتمع المدني على “تلقف هذا العمل، وتعميم الإفادة منه بواسطة الصحافة والإعلام، والتفاعل الإيجابي مع مضمونه، وبناء شركة حقيقيّة مع وزارة المال”.
الوثيقة بثلاث لغات
“موازنة المواطِنة والمواطن” متوافرة على الموقعين الإلكترونيين للوزارة www.finance.gov.lb ولمعهد باسل فليحان المالي والاقتصادي www.institutdesfinances.gov.lb (العربية والفرنسية والإنكليزية)، ومتوافرة أيضا في نسخ ورقية في المكتبة المالية وهي مكتبة عامة متاحة للجمهور.